الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وهذا البيت للراعي وبه سمى المراعي ومنه قول امرئ القيس: [الكامل] وقرأ الناس {تبوّا} بهمزة على تقدير تبوعا، وقرأ حفص في رواية هبيرة {تبويا} وهذا تسهيل ليس بقياسي، ولو جرى على القياس لكان بين الهمزة والألف، قوله: {قبلة} ومعناه مساجد، قاله ابن عباس والربيع والضحاك والنخعي وغيرهم، قالوا: خافوا فأمروا بالصلاة في بيوتهم، وقيل يقابل بعضها بعضًا، قاله سعيد بن جبير والأول أصوب، وقيل معناه متوجهة إلى القبلة، قاله ابن عباس، ومن هذا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خير بيوتكم ما استقبل به القبلة»، وقوله: {وأقيموا الصلاة} خطاب لبني إسرائيل هذا قبل نزول التوراة لأنها لم تنزل إلا بعد إجازة البحر، وقوله: {وبشر المؤمنين} أمر لموسى عليه السلام، وقال مكي والطبري هو أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهذا غير متمكن. اهـ.
ومصر في هذه الآية هي الإسكندرية؛ في قول مجاهد.وقال الضحاك: إنه البلد المسمى مصر، ومصر ما بين البحر إلى أُسوان، والإسكندرية من أرض مصر.الثانية:قوله تعالى: {واجعلوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} قال أكثر المفسرين: كان بنو إسرائيل لا يصلّون إلا في مساجدهم وكنائسهم وكانت ظاهرة، فلما أُرسل موسى أمر فرعونُ بمساجد بني إسرائيل فخرّبت كلها ومنعوا من الصلاة؛ فأوحى الله إلى موسى وهارون أن اتخذا وتخيّرا لبني إسرائيل بيوتًا بمصر، أي مساجد، ولم يرد المنازل المسكونة.هذا قول إبراهيم وابن زيد والرّبيع وأبي مالك وابن عباس وغيرهم.وروي عن ابن عباس وسعيد بن جُبَير أن المعنى: واجعلوا بيوتكم يقابل بعضها بعضًا.والقول الأوّل أصح؛ أي اجعلوا مساجدكم إلى القِبلة؛ قيل: بيت المقدس، وهي قبلة اليهود إلى اليوم؛ قاله ابن بحر.وقيل الكعبة.عن ابن عباس قال: وكانت الكعبة قِبلة موسى ومن معه، وهذا يدلّ على أن القبلة في الصلاة كانت شرعًا لموسى عليه السلام، ولم تخل الصلاة عن شرط الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة؛ فإن ذلك أبلغ في التكليف وأوفر للعبادة.وقيل: المراد صلّوا في بيوتكم سرًّا لتأمنوا؛ وذلك حين أخافهم فرعون فأمِروا بالصبر واتخاذ المساجد في البيوت، والإقدام على الصلاة، والدعاء إلى أن ينجز الله وعده، وهو المراد بقوله: {قَالَ موسى لِقَوْمِهِ استعينوا بالله واصبروا} [الأعراف: 128] الآية.وكان من دينهم أنهم لا يصلون إلا في البِيَع والكنائس ما داموا على أمن، فإذا خافوا فقد أذن لهم أن يصلوا في بيوتهم.قال ابن العربي: والأوّل أظهر القولين؛ لأن الثاني دعوى.قلت: قوله: دعوى صحيح؛ فإن في الصحيح قوله عليه السلام: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطَهورًا» وهذا مما خُصّ به دون الأنبياء؛ فنحن بحمد الله نصلِّي في المساجد والبيوت، وحيث أدركتنا الصلاة؛ إلا أن النافلة في المنازل أفضل منها في المساجد، حتى الركوع قبل الجمعة وبعدها.وقبل الصلوات المفروضات وبعدها؛ إذ النوافل يحصل فيها الرياء، والفرائض لا يحصل فيها ذلك، وكلما خلَص العمل من الرياء كان أوزن وأزلف عند الله سبحانه وتعالى.روى مسلم عن «عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تطوّعه قالت: كان يصلّي في بيتي قبل الظهر أربعًا، ثم يخرج فيصلّي بالناس، ثم يدخل فيصلّي ركعتين، وكان يصلّي بالناس المغرب، ثم يدخل فيصلي ركعتين، ثم يصلِّي بالناس العشاء، ويدخل بيتي فيصلي ركعتين...» الحديث.وعن ابن عمر قال: صلّيت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل الظهر سجدتين وبعدها سجدتين وبعد المغرب سجدتين؛ فأما المغرب والعشاء والجمعة فصليت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في بيته. وروى أبو داود عن كعب بن عُجْرة «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أتى مسجد بني الأشهل فصلى فيه المغرب؛ فلما قضْوا صلاتهم رآهم يسبحون بعدها فقال: «هذه صلاة البيوت».الثالثة:واختلف العلماء من هذا الباب في قيام رمضان، هل إيقاعه في البيت أفضل أو في المسجد؟ فذهب مالك إلى أنه في البيت أفضل لمن قوِي عليه، وبه قال أبو يوسف وبعض أصحاب الشافعي.وذهب ابن عبد الحكم وأحمد وبعض أصحاب الشافعي إلى أن حضورها في الجماعة أفضل.وقال الليث: لو قام الناس في بيوتهم ولم يقم أحد في المسجد لا ينبغي أن يخرجوا إليه.والحجة لمالك ومن قال بقوله قولُه صلى الله عليه وسلم في حديث زيد بن ثابت: «فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» خرّجه البخاريّ.احتج المخالف بأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد صلاّها في الجماعة في المسجد، ثم أخبر بالمانع الذي منع منه على الدوام على ذلك، وهو خشية أن تفرض عليهم فلذلك قال لهم: «فعليكم بالصلاة في بيوتكم» ثم إن الصحابة كانوا يصلونها في المسجد أوزاعًا متفرقين، إلى أن جمعهم عمر على قارئ واحد فاستقر الأمر على ذلك وثبت سُنّة.الرابعة:وإذا تنزلنا على أنه كان أُبيح لهم أن يصلوا في بيوتهم إذا خافوا على أنفسهم فيستدلّ به على أن المعذور بالخوف وغيره يجوز له ترك الجماعة والجمعة.والعذر الذي يبيح له ذلك كالمرض الحابس، أو خوف زيادته، أو خوف جور السلطان في مال أو بدن دون القضاء عليه بحق.والمطرُ الوابل مع الوحل عذر إن لم ينقطع، ومن له وليِّ حميم قد حضرته الوفاة ولم يكن عنده من يمرّضه؛ وقد فعل ذلك ابن عمر.الخامسة:قوله تعالى: {وَبَشِّرِ المؤمنين} قيل: الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم.وقيل لموسى عليه السلام، وهو أظهر، أي بشر بني إسرائيل بأن الله سيظهرهم على عدوّهم. اهـ.
|